ⓒ KBS Newsموسم الخريف هو وقت رائع حقا للقراءة. ومع اعتدال درجات الحرارة والرطوبة، تتهيأ البيئة مثالية لقراءة الكتب، سواء في الداخل أو في الهواء الطلق. وهناك شيء مميز حقا في الانغماس في القراءة مع احتساء كوب دافئ من الشاي في جو هادئ، فهو إحساس يثري العواطف بعمق ويدفئ القلب. فما هي الكتب التي يقرأها الكوريون الشماليون خلال هذا الموسم؟ وما الذي يميز المشهد الأدبي الكوري الشمالي؟
بعد فوز الكاتبة "هان كانغ" بجائزة نوبل في الأدب العام الماضي، وهي أول من يحصل عليها في كوريا، أصبحت الروايات الكورية الجنوبية تحظى بشعبية متزايدة. وتُظهر تصنيفات الكتب الأكثر مبيعا هنا خلال النصف الأول من هذا العام أن روايات "هان كانغ" تحتل المراكز الأولى. وهذا يقودنا إلى التساؤل عن أنواع الكتب التي تحظى بشعبية بين الناس في كوريا الشمالية؟
"جون يونغ صُن" الأستاذ في معهد العلوم الإنسانية والتوحيد بجامعة "كون غوك":
من منظور أدبي، يبدو أن الواقعية تحظى بشعبية في الأدب الكوري الشمالي، خاصة الأعمال التي تستند إلى تجارب مباشرة على أرض الواقع. وكثيرا ما يزور المؤلفون مواقع مختلفة، ويعملون بجد لعدة سنوات لالتقاط التفاصيل الدقيقة في كتبهم. وفي كوريا الشمالية، بينما يمارس بعض المؤلفين الكتابة كمهنة رئيسية، هناك أيضا "كُتّاب متخصصون" يقضون سنوات في مجالات مختلفة، ويتحملون المشقة لإنتاج أعمالهم. ويبدو أن هذه الروايات التجريبية تحظى بشعبية. في السابق، كانت أعمال مثل "الطموح" و"قصيدة للشباب" بارزة، ولكن خلال عهد الزعيم الحالي "كيم جونغ أون"، ظهر اتجاه جديد يتميز بروايات تركز على إنجازاته الثورية. وتعتبر هذه الأعمال، من بين أعمال أخرى، قراءة أساسية للجمهور.
غالبا ما تتضمن الكتب الأكثر مبيعا في كوريا الشمالية الأدب الواقعي الذي يصور الحياة اليومية لمواطنيها. على سبيل المثال، هناك رواية "قصيدة للشباب" للكاتب "نام تيه هيون"، التي تصور المثل العليا والواقع الذي يعيشه الشباب. ومن الأمثلة الأخرى رواية "منجم الفحم" للكاتب "كيم مون تشانغ"، وهي تتناول مناجم الفحم التي تعتبر نقطة انطلاق رئيسية للتنمية الاقتصادية في كوريا الشمالية. ومع ذلك، هناك بعض الكتب التي تُقرأ على نطاق أوسع من الروايات الشعبية، وهي الأعمال المخصصة للزعيميْن السابقين، وتستخدم كدعاية لتمجيدهما. وهذا يطرح سؤالا مهما: لماذا يفضل المواطنون الكوريون الشماليون الكتب التي تتحدث عن زعماء البلاد أكثر من الروايات الشعبية التقليدية؟
"جون يونغ صُن":
لم يشهد الأدب الكوري الشمالي أي تغييرات هيكلية تقريبا، فهو يلتزم بهيكل سردي من 4 أجزاء: مقدمة، وتطور، وذروة، وخاتمة. ويُحظر تماما استخدام عناصر مثل الوصف النفسي، أو التسلسل الزمني غير الخطي، أو الحبكات الغامضة. يتبع السرد عادة تسلسلا زمنيا، حيث يصف بالتفصيل وقوع الأحداث وتطورها، ويصل إلى ذروته بكلمات الزعيم، وينتهي بحل متناغم. ويتم الحفاظ على هذا الهيكل باستمرار. و"الزعيم الأعلى" هو العنصر الأهم في الأدب الكوري الشمالي. ونظرا لأن هذا يشكل الهدف الأساسي للجهود الأدبية، يتم بذل جهود مكثفة لتصوير كيفية خدمة الزعيم ووصفه وتبجيله. ويجب تزويد الجمهور بأعمال مناسبة تسهم في الثورة. بعبارة أخرى، تؤكد كوريا الشمالية على أن الغرض الأساسي الذي يجب أن يحققه الأدب هو الكشف المستمر عن الثورة وتحقيق أيديولوجية "جو تشيه"، أو الاعتماد على الذات.
يلتزم الأدب الكوري الشمالي بمبدأ أساسي واحد، وهو الكشف عن عظمة الزعيم من خلال الثورة. وبالتالي، فإن أحد الموضوعات المتكررة التي ترد كثيرا في الروايات الكورية الشمالية هو تصوير القائد كأب، والشعب كأبناء. وتُستخدم الأعمال الأدبية لنشر الأفكار الأيديولوجية، مثل فلسفة "جو تشيه". وتعد الأوبرا الثورية "فتاة الزهور"، التي يُقال إن مؤسس النظام "كيم إيل سونغ" كتبها بنفسه في ثلاثينيات القرن الماضي، مثالا بارزا يوضح الغرض من الأدب الكوري الشمالي.
تدور أحداث أوبرا "فتاة الزهور" حول فتاة فقيرة اسمها "كوت بون" تعاني من استغلال مالك الأرض، قبل أن تنضم في النهاية إلى الثورة، قود تم إنتاجها في البداية كأوبرا على الطراز الكوري الشمالي. ومع ذلك، أعيد إنتاجها لاحقا كرواية ثورية. وجاء هذا التحول لترسيخ النظام الأيديولوجي المتجانس لكوريا الشمالية والمصمم لضمان الالتزام المطلق بأفكار ومبادئ "كيم إيل سونغ". وقد لعبت هذه الرواية، التي تم تصنيفها على أنها "تحفة كلاسيكية خالدة"، دورا حاسما في تمجيد النظام والترويج له. وبدلا من السعي وراء التعبير الفني الخالص والجهود الإبداعية، فإن الأدب الكوري الشمالي له أهداف سياسية واضحة تتمثل في الترويج للنظام وترسيخ التضامن الداخلي، وهو يشكل ركيزة أساسية في المشهد الفني للبلاد.
في كوريا الشمالية، يتم تصنيف الفن إلى 7 أشكال متميزة، هي: الأدب والمسرح والسينما والموسيقى والفنون الجميلة والرقص والأكروبات. ومع ذلك، فإن مكانة الأدب لا تزال الأولى دون منازع. وتلتزم الأعمال الأدبية الكورية الشمالية بصرامة بالتوجيهات التي تنص على أنها يجب أن تعكس سياسات الحزب الحاكم بصدق وبجودة فنية عالية. ولهذا يتدخل الحزب ويخطط لكل خطوة منذ المرحلة الأولى من الإبداع. وفي الواقع، يكتب المؤلفون قصصهم تحت توجيه مباشر من الحزب. وبمجرد تطويرها، تتحول هذه الإبداعات الأدبية إلى أشكال فنية أخرى متنوعة قبل عرضها ونقلها إلى الجمهور.
في كوريا الشمالية، يتم إرسال مجموعات تسمى "وحدات فنية للدعاية والتحريض" إلى مختلف المجالات لتشجيع العمال هناك. وحتى عروضهم التي تتراوح بين التمثيل والموسيقى والأغاني، والمصممة للدعاية للنظام، ترجع جذورها إلى الأدب المكتوب. وبهذه الطريقة، يوجد الأدب لخدمة النظام وتوعية وتوجيه الشعب. ونتيجة لذلك، فإن المكانة الاجتماعية للكُتّاب عالية جدا، مما يجعلها مهنة يطمح الكثيرون إلى ممارستها. ومع ذلك، لا يمكن لأي شخص أن يصبح كاتبا بسهولة.
"جون يونغ صُن":
في كوريا الشمالية، تعتبر الكِتابة مهنة، وتوظف الدولة الكُتّاب. والطريقة الأكثر شيوعا ليصبح المرء كاتبا هي الالتزام بالقواعد التي تفرضها الدولة. عادة ما يتخرج الطلاب في قسم الأدب ثم يتم تعيينهم في مجموعة من الكُتّاب. وهناك أيضا مسابقات وطنية للكتابة تقام خلال الأعياد الكبرى، مثل يوم الشمس أو يوم تأسيس حزب العمال. وتحدد هذه المسابقات موضوعات معينة لمختلف المجالات. ويتم منح أولئك الذين يقدمون مشاركات ناجحة امتيازات خاصة، مثل القبول في قسم الكُتّاب في جامعة "كيم هيونغ جيك" للتربية أو قسم الأدب في جامعة "كيم إيل سونغ". وبعد التخرج من هذه المؤسسات، يتم تعيينهم في أماكن عمل ويبدؤون حياتهم المهنية ككُتّاب محترفين بدوام كامل. وهناك أيضا نظام "المراسلون الأدبيون". من خلال هذا النظام، يمارس الأفراد مهنهم العادية بينما يتلقون توجيها أدبيا عن طريق المراسلة. ومن خلال تقديم مسودات لأعمالهم، يمكن اكتشافهم واختيارهم.
الطريق لأن يصبح شخص ما كاتبا في كوريا الشمالية طريق صعب وشاق بالفعل، خاصة بالنسبة للمراسلين الأدبيين الذين يوازنون بين وظائفهم العادية والكتابة، حيث يتوجب عليهم صقل مهاراتهم في النوادي الأدبية داخل أماكن عملهم. وفي أثناء مشاركتهم في هذه المجموعات، إذا تم قبول أعمالهم في المجلات الأدبية المركزية أو إذا اجتازوا متطلبات القبول في "دورات تدريب الكُتّاب"، يتم منحهم "رخصة كاتب نشط". وحتى بعد الحصول على صفة الكاتب المحترف، تستمر حياتهم التنظيمية.
يعمل الكُتّاب في كوريا الشمالية ضمن إطار تنظيمي. ولاتحاد الكُتّاب الكوريين الشماليين فروع في كل مناطق البلاد. وكثيرا ما يشارك الكُتّاب الكوريون الشماليون في الإبداع التعاوني، ويناقشون أعمالهم معا. ومن مجموعات الإبداع الأدبي هناك مجموعة تسمى "وحدة 15 أبريل للإنتاج الأدبي".
هذه الوحدة هي منظمة مخصصة حصريا لإنتاج أعمال تتعلق بالزعيم الأعلى، ويشار إليها على أنها مهد أدب تقديس الزعماء في كوريا الشمالية. ومن بين أعمالها المميزة "التاريخ الخالد"، وهي سلسلة روايات طويلة تسرد حياة "كيم إيل سونغ"، و"القيادة الخالدة"، وهي سلسلة روايات أخرى تصور حياة "كيم جونغ إيل". وفي الثمانينيات، أصدر كاتب يدعى "بيك نام نيونغ"، وهو منتسب إلى هذه الوحدة، رواية رائدة بعنوان "صديق".
"صديق" هي رواية تتناول موضوع الطلاق. ومن خلال دعوى قضائية رفعتها مغنية ضد زوجها، تصور الرواية بوضوح مراحل الحب والزواج والطلاق في كوريا الشمالية، مما أثار ضجة كبيرة بين القراء، حتى إن التلفزيون المركزي الكوري الشمالي قام بتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان "الأسرة". وعلى الرغم من أن المسلسل التلفزيوني لم يكتمل عرضه بسبب الجدل الشديد الذي أحاط بمحتواه، إلا أن العمل جذب انتباه العالم خارج كوريا الشمالية.
"جون يونغ صُن":
تمت ترجمة رواية "صديق" إلى اللغة الفرنسية. وعلاوة على ذلك، اختارتها مجلة أمريكية كواحدة من أفضل الأعمال الأدبية العالمية لعام 2020. وحتى من منظور دولي، تعتبر هذه الرواية عملا مثيرا للاهتمام بطبيعته، فهي تتعمق في العلاقات الزوجية وتستكشف الآثار الاجتماعية للطلاق في كوريا الشمالية، وتقدم في الأساس لمحة عن الحياة الأسرية في كوريا الشمالية. الجدير بالذكر أن الرواية تحتوي على القليل نسبيا من الخطاب السياسي المتعلق بالزعيم. وهو ما أسهم في توسيع نطاق جاذبيتها، كما تعتبر الرواية نفسها ذات جودة عالية جدا. فالأعمال الأدبية الممتازة حقا ليست تلك التي تختفي سريعا، بل تلك التي يمكن تفسيرها وتقديرها باستمرار على مر الزمن. وقد نالت رواية "صديق" التقدير باعتبارها عملا أدبيا كوريا شماليا نادرا يقدم منظورا جديدا ومؤثرا، بغض النظر عن زمن قراءته.
كتب المؤلف "بيك" أيضا عدة أعمال تشيد بالزعماء الكوريين الشماليين. وبعد رواية "صديق"، أصدر رواية كاملة بعنوان "الإحياء" تتناول إنجازات "كيم جونغ أون".
مع ظهور مثل هذه الأعمال، بدأت الصورة النمطية الراسخة عن الأدب الكوري الشمالي باعتباره مجرد دعاية للنظام، تتلاشى تدريجيا. ومنذ تولي "كيم جونغ أون" السلطة، اكتسب الأدب الريفي أهمية، كما يتضح في رواية "أحب هذه الأرض"، التي تصور موضوع حماية الأراضي الزراعية التي تزرعها عائلة منذ أجيال. وتدمج هذه الأعمال بشكل متزايد الحياة اليومية العملية للسكان في قصصها.
"جون يونغ صُن":
خلال عهد "كيم جونغ أون"، دأب الأدب الكوري الشمالي على الدعوة إلى العولمة. ومن الواضح أن الأعمال الحديثة تختلف عن تلك التي كانت تُنشر في الماضي. ومع ذلك، فإن الجمهور لا يمتلك سوى خيارات محدودة من الكُتُب المتاحة، كما أن عملية إنتاج الأعمال الأدبية تنطوي على العديد من جولات الرقابة والإجراءات الصارمة. وفي مثل هذا الإطار، يصعب على الأدب أن يضطلع بدوره المحتمل في كشف القضايا الاجتماعية أو إيصال رسائل نقدية اجتماعية. ومع ذلك، نظرا لوجود جهود مستمرة لاستكشاف مجالات جديدة، أعتقد أن الأدب الكوري الشمالي قد يتخذ نهجا مختلفا إلى حد ما، لا سيما في الأعمال المستوحاة من الواقع الحالي أو الموضوعات التاريخية.
على الرغم من اختلاف تقاليد الأدب الكوري الشمالي عن التقاليد الأدبية الأخرى، إلا أنه لا يمكن فصله تماما عن الواقع. ونظرا لارتباط الأدب الكوري الشمالي ارتباطا وثيقا بالنظام الحاكم، فإنه يوفر نافذة جيدة على أكثر الدول انغلاقا في العالم. وحاليا يُظهر الأدب في عهد "كيم جونغ أون" علامات على محاولة التغيير، وهو ما يدعونا لأن نتطلع إلى الحصول على المزيد من الفرص لدراسة المجتمع الكوري الشمالي والحياة اليومية لسكانه من خلال مجموعة متنوعة من الأعمال الأدبية.